المأساة السورية و"قمة الميت".. خروج الظفر من اللحم   - It's Over 9000!

المأساة السورية و"قمة الميت".. خروج الظفر من اللحم  

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)

مقدمة
تناقش هذه الورقة أعمال القمة العربية التي استضافتها المملكة الأردنية, وانطلقت أعمالها الأربعاء في 29 مارس/آذار الجاري على ضفاف البحر الميت ومثلت الدول الـ22 الأعضاء في الجامعة العربية في هذه القمة، باستثناء نظام الأسد الحاكم في سوريا التي علقت جامعة الدول العربية عضويتها منذ 2011 نتيجة الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري.

وتوطئ هذه الورقة باستعراض تحليلي موجز لدعوة بعض الدول العربية لعودة نظام الأسد إلى مقعد سوريا المعلق, ونتناول في هذا أهمية الثورة السورية في بعدها السياسي المتصل بنتائج مقررات قمة البحر الميت التي تحاول كما القمم السابقة تحويل القضية السورية إلى مجرد قضية إغاثية, كما نقف عند رسالة الرؤساء اللبنانيين السابقين إلى القمة, وما حملت في مضامينها وتفاعلاتها ونتائجها وتداعياتها على "حزب الله" اللبناني من خلال تعريته والتبرؤ من سلاحه بعدما تحول لأداة إيرانية في القتل والتخريب في المنطقة العربية.
ونتوقف عند البيان الختامي للقمة وانعكاساته على الشعب العربي ومدى فاعليته.
- التمهيد لعودة الأسد لمقعد سوريا المعلق في الجامعة العربية
معركة الثورة السورية في قمة البحر الميت معركة قاسية حيث تواجه تفكك العرب حول مطالبها, ومحاولات تستهدف حمل بعض الدول العربية على تبني مواقف مخالفة لمقررات سابقة اعترفت بشرعية الثورة السورية, فالأجواء العربية الراهنة لا تسمح بخروج قرارات جديدة لصالح الثورة أو الاحتفاظ بالحد الأدنى الذي تحقق في قمم سابقة, فالمبادرون للتمهيد بعودة نظام الأسد يدركون أن الاتجاه السائد يصب في خانة دعم نظام الأسد.
وإذا كان للثورة حضور في قمة البحر الميت فهو نابع من الثقة بمبدئيتها رغم محاولات شيطنتها واتهامها, وهذا يعني أن الثورة لم تكن بعيدة عن أعمال القمة, فالتطورات الميدانية تشد أزر حلفاء الثورة وتحرج المتهاونين وخصوم الثورة من العرب.
استمرت محاولات بعض الدول العربية (العراق ومصر والجزائر ولبنان) وهي دول موالية للروس والإيرانيين لزرع الألغام الانقسامية في الساحة السورية إثر محاولة الضغط لتعويم نظام الأسد, والتخلي عن التزامات الجامعة العربية المشتركة لصالح الرهانات الروسية مستفيدة من المواقف الوسطية غير الحاسمة لبعض الدول العربية الخاضعة لإملاءات خارجية.
وعلى الرغم من إدعاء بعض الدول دعمها للثورة السورية, التي لا تزال تواجه منفردة الميليشيات الإيرانية وغيرها من القوى المحتلة, فالموقف العربي وضعفه النابع من الحيرة والارتباك الدائم حول تقرير الأولويات الشاغلة للأنظمة العربية, كما أن التوافق بين الدول الأعضاء لم يتوصل بعد إلى إيجاد المعادلة المطلوبة لحله, فكيف يستبعد ممثل للثورة السورية, فالشعب السوري الثائر هو جزء من الأمة العربية وله الحق في المشاركة التامة في كل الأنشطة العربية.
إن الخلافات القائمة بين الدول العربية تتعلق بإشكالات داخلية لها امتدادات استراتيجية ودولية عظيمة التناقض, تبدأ هذه الخلافات من الدولة المضيفة للمؤتمر التي يعاني آلاف النازحين السوريين على أرضها من مآس وويلات في مخيمات النزوح الشبيهة بمعسكرات مغلقة علاوة على دعمها لعودة الأسد بحجة محاربة الإرهاب.
قمة الدوحة التقت حول القضية السورية, ولكن الخلافات, الآن, هي القضية السورية ذاتها مما دفع بالوضع إلى حافة التمايز الحاسم في العلاقات الداخلية والمواقف السياسية والارتباطات الدولية.
فقمة البحر الميت شكلت استطرادا منطقيا للقمم السابقة بعد أن بات العرب عربانا حتى على مستوى القطر الواحد, وفي ظل مطالبة بعض العرب برحيل نظام الأسد, وبعضهم المنزلق باتجاهه, فالموقف الثوري السوري يتمسك بحقه أن يظل الممثل الشرعي للشعب السوري والمسؤول عن صياغة مستقبله.
وبالتالي تقف الثورة أخلاقيا ضد أية مناورات تستهدف تسهيل وتمرير عودة الأسد إلى حضن الرؤساء والملوك العرب.
ولا يعبأ السوريون بنتائج مقررات قمة البحر الميت التي لن تخرج بما يرفع عنهم القتل اليومي الذي تمارسه قوات نظام الأسد وميليشيات إيران, والطيران الروسي أو التحالف التي أنهكته خلال سني الثورة, خاصة بعد دعوات بعض الدول لعودة نظام الأسد لمقعد سوريا في الجامعة العربية.
ويأتي فقدان الثقة بمقررات الجامعة العربية لأنها مقررات نظرية, فسوريا في ظل شلل الجامعة العربية وعجزها عن التدخل لوقف عدوان نظام الأسد أفسح المجال أمام التدخل الإيراني والاحتلال الروسي.

تحويل القضية السورية إلى قضية إغاثية!
اعتمد الأعضاء الدائمون للدول العربية خلال قمة البحر الميت قرارا يقضي بـ"تعريب" أزمة اللجوء السوري، من خلال وضع خطة عمل كاملة لمساعدة الدول العربية المجاورة لسوريا والدول العربية الأخرى المضيفة للاجئين السوريين وفق مبدأ تقاسم الأعباء بما يمكنها من الاضطلاع بالأعباء المترتبة على استضافتهم من مختلف الجوانب المادية والخدمية، وكان الأردن أكبر المستفيدين من هذا القرار الذي سعى لإدراجه على جدول أعمال القمة وفقا لطلبه متذرعا بأن الدول المحيطة بمناطق النزاعات تعاني من آثار اقتصادية واجتماعية وإنسانية.
وبالنتيجة لم يكن الاهتمام باللاجئين السوريين من ضمن الاهتمامات التي تؤرق العرب بقدر ما تجلب لهم منافع مادية وخدمية كلبنان والأردن.
وتكمن المشكلة في الدول العربية التي تقف متفرجة حيال ما يفعله نظام الأسد من أعمال إجرامية دفعت بملايين السوريين إلى النزوح لبلدان الجوار وبدل مساندة الثورة سياسيا وعسكريا بالضغط على نظام الأسد, كلفت مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري وضع الآلية المناسبة للتكافل بين الدول في تحمل أعباء اللجوء مما يسمح للأسد تنفيذ محاولاته الرامية إلى تغيير سوريا ديمغرافيا تحقيقا لاستراتيجية إيران الطائفية المستمرة في مدينة دمشق ومحيطها وفي القلمون الغربي لضمان طرق إمدادها لفصيلها "حزب الله" الذي يهيمن على لبنان, لأن تقاعس النظام العربي وعجزه أتاح لنظام الأسد استخدام المعونات الإغاثية كسلاح للقوة الناعمة ضد المعارضة, وستبقى معاناة السوريين الإنسانية قائمة إلى أن تتفق الدول المهتمة بالشأن السوري على إجبار الأسد على التنحي وقيام نظام ديمقراطي تسوده العدالة والحرية والمساواة .

رسالة الرؤساء اللبنانيين للجامعة العربية (التبرؤ من ميليشيا حزب الله)
وجه رؤساء جمهورية ورؤساء حكومة لبنانيون سابقون، وهم (أمين الجميل، وميشال سليمان، ونجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، وتمام سلام), رسالة إلى القمة العربية، أحدثت هزة في أوساط "حزب الله" وخلفائه في المنطقة, وتضمنت الرسالة خمسة محاور، هي "التأكيد على اتفاق الطائف والالتزام بالقرارات الدولية ولا سيما القرار 1701"، و"السلاح غير الشرعي" لحزب الله و"إعلان بعبدا"، و"النأي بالنفس وبسط سلطة الدولة ووقف التدخلات الخارجيّة في الأزمة السورية".
هذه الرسالة التي بعث بها الرؤساء تضمنت مواقف توضيحية من "حزب الله" وسلاحه وتدخله السافر في سوريا والعراق واليمن، مما سيعرض لبنان بنتيجة السلوك الأرعن لحزب الله إلى الاضطرابات الأمنية والسياسية والعبث بمقدراته وخيراته وعزله عن العالم العربي في دعوة صريحة إلى عزل "حزب الله" وقطع وسائل دعمه وطرق إمداده.
وتعتبر في هذا التوقيت والسياق مبادرة استباقية من الرؤساء لإدانة التدخل الإيراني في لبنان والمنطقة بعدما تحول "حزب الله" لأداة إيرانية يمارس القتل والإرهاب, كما جاءت الرسالة دعما للشرعية الدستورية ممثلة بالرئيس ميشال عون الخاضع لهيمنة "حزب الله" الواضحة في مواقفه وقراراته التي جاءت تلبية لرغبات "حزب الله" وإيران التي تعمل على ضرب وحدة لبنان وإدخاله في أتون أزمات سياسية مركبة تستهدف الشعب اللبناني بعدما تحول الرئيس عون لدمية بيد الإيرانيين. وبالتالي فالرسالة تحمل في طيّاتها كل ما يلزم لدعم موقف لبنان الرسميّ الذي يحمله الرئيس عون إلى القمّة، لأن جميع بنود الرسالة هي بنود سياديّة، وسبق لرئيس الجمهورية أن أكّد عليها في خطاب القَسَم.
ومضمون الرسالة المباشر أن الرؤساء يمثلون المسيحيين الموارنة والمسلمين السنة يقفون ضد "حزب الله" اللبناني الذي يمثل النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة.
ويتضح الهدف من الرسالة التبرؤ من "حزب الله" وسلاحه بعدما تحولت فوهة بنادقه من الحرب ضد إسرائيل إلى تطويع الشعوب العربية وإخضاعها للنفوذ الإيراني, وبذلك فالرسالة تعرية للحزب أمام إسرائيل التي تتصارع مع إيران في المنطقة, والنأي اللبناني عن هذا الصراع الذي يجر على لبنان الويلات نتيجة تصرفات الحزب المرتهن لملالي طهران, والذي بات يخدم مصلحة إيران لا مصلحة لبنان

خاتمة
بعد مرور سبعين عاما على تاريخ جامعة الدول العربية وازدياد أعضائها, وما شهدته المنطقة من تغييرات محورية وجوهرية وحروب مختلفة أوقعت المنطقة تحت الوصاية الأميركية والروسية ليتحول دور الجامعة العربية إلى سكرتارية للرؤساء والملوك العرب ومأمور إجراء لقراراتهم, كان الأجدى أن يكون لها دور فاعل أمام مصير عربي جديد قائم على الحرية والديمقراطية لا كما صرح أحد ممثلي دولة الكويت أن الربيع العربي سبب في تأخر التنمية العربية منذ العام 2011م, وكأن التنمية العربية قائمة على قدم وساق, غير أن ثورات الربيع العربي عطلتها وحالت دون متابعة برامجهم التنموية.
وكل قمة عربية، ترث نفس الملفات العائمة في القمم السابقة دون التوصل لنتيجة سوى تراكم هذه الملفات وازديادها تعقيدا, والاكتفاء ببيان ختامي من باب رفع العتب حيث أكدت قمة البحر الميت في بيانها الختامي على وحدة وسيادة سوريا، وأن الحل الوحيد الممكن للأزمة السورية يتمثل في الحل السياسي القائم على مشاركة جميع الأطراف السورية، بما يلبي تطلعات الشعب السوري وفقا لما ورد في بيان جنيف (1) في 30 يونيو عام 2012، واستنادا إلى ما نصت القرارات والبيانات الصادرة بهذا الصدد وبالأخص قرار مجلس الأمن رقم 2254.

ورحبت في هذا الإطار باستئناف مفاوضات السلام تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف، ودعوة الجامعة العربية للتعاون مع الأمم المتحدة لإنجاح المفاوضات السورية التي تجري برعايتها لإنهاء الصراع وإرساء السلم والاستقرار في سوريا.
ودعت القمة إيران إلى الكف عن تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية، وأدانت التدخل الإيراني في الشؤون العربية.
كما جددت إدانة الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وتأييد كافة الإجراءات والوسائل السلمية التي تتخذها دولة الإمارات العربية المتحدة لاستعادة سيادتها على جزرها المحتلة.
وأكدت القمة على أمن ووحدة اليمن وسلامة وسيادة أراضيه، والتأكيد على دعم ومساندة الشرعية الدستورية متمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية.
وكعادة القمم السابقة, أكدت على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للأمة العربية، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة عاصمة دولة فلسطين.
وكل هذه القرارات حبر على ورق عدا محاولتهم الجادة في إعادة نظام الأسد إلى مقعد سوريا المعلق ووقوف السعودية وقطر في وجه هذه المحاولة التي باءت بالفشل.

مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي لسوريا

مسؤول أممي "مستعد للسفر إلى سوريا لجمع الأدلة ضد كبار المسؤولين في النظام السابق"

مظلوم عبدي ينفي مطالبة قواته بحكومة فدرالية ويؤكد سعيه للتواصل مع الحكومة الجديدة

جنبلاط يلتقي الشرع في دمشق

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

توغل جديد للقوات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة

//